29 - 06 - 2024

رؤية خاصة | فى حضرة الحبيب

رؤية خاصة | فى حضرة الحبيب

(أرشيف المشهد)

  • 26-11-2015 | 21:19

وقفت تكبح فى مشقة جموح شوقها وجماح قدميها المتحفزتين وساقيها المتمردتين على طول الانتظار، وطفقت تذكر نفسها وتذكرهم بما كان فى سابقة حضورهم لهذا المكان، وتجدد العهد معهم: نصطبر بالصبر ونتحلى بالوقار ونتجمل بالسكينة ونتقرب بحب الخير للأخرين، وسنصل جميعا لغاية الأمل وسدرة المنتهى ونروى بعذب الوصل أظماء الشوق.

جاءت الإشارة والبشارة، فخرج القوم من عقالهم يستبقون الزمان ويطوون المكان، وقد نسوا ما كان من عزمهم على التروى والإناة، وهرعوا يداعب كل منهم أملٌ شجى فى الوصال من أقرب بقعة والفوز بأشرف نعمة.

كاد الشوق أن يغلبها على أمره ولولا كثير من التعقل والحياء لأزاح الجمع من الطريق، ثم لاحت البقعة الخضراء التى وُعد بها الملهوفون، نظرت حولها مرةً ومرة غير مصدقة؛ أهى حقاً هنا وفى أمرتها مستطيل صغير تهجع فيه أعضاؤها ويخضع بدنها وتنحنى فوقه رأسها؟ انفصلت بكلها عن كلها وخفتت الأصوات وهدأت الدفعات وحيل بينها وبين البشر المتلاطمين حولها، فأُنسيت الزمان والمكان واستغرقتها المناجاة وتلاحق على خاطرها الدعاء أخضر مبللاً بدمع القلب من غير أن يقوى اللسان على ملاحقته.

تمنت لو تستمر اللحظة سرمدية فلا مكان إلا المكان ولا أوان إلا الآن ولا وِجهة إلا حيث كان، لولا أن أفاقت على صوت يذكرها: تفسحوا يفسح الله لكم، استمهلت قدرا يسيرا ترفع فيه السلام وتطلب الإذن بالذهاب وتسأل الوعد بالإياب، ثم جمعت ذرات كيانها وانسحبت تجر نفسها المتأبية على الفراق.

بينما تهم بالخروج، وقعت عيناها على الجالسات خارج البقعة الخضراء؛ لم يسعفهن الجهد أو لعلهن ترفعن عن التدافع، نظرةٌ ما فى عين إحداهن مجللة بالانكسار والخشوع مست قلبها مسا عجيبا فجددت دفق العين وأجرت على اللسان المستكين أنهار الدعاء لهذه الكسيرة ولهؤلاء المتزاحمات،  وللأهل والأصدقاء،  وللأقرباء والغرباء، ولكل من حضر، وللخلق والخلائق والبشر.

ظنت أنها اكتفت وما من اكتفاء، إذ لاح لها فى الزاوية موقع من نور يتوافد الناس عليه وتتلهف الأذرع والأكف للوصول إليه. استشعرته فى أعماقها ولكن كأنما ليطمئن قلبها سألت جارتها: أى الأبواب الأربع هو مرقد الحبيب، انساب الاسم الرفيع الشريف العظيم فتداعت نفسها واهتز بدنها واضطرب فؤادها؛ هنا على بعد سنتيمترات يستقر الجسد المبارك لمن قبره حرمٌ واسمه قسمٌ، فى هذه الأرض المباركة يزرف العبرات من شاء أن يتطهر، ويفد إليها من شاء - لله- أن يستغفر ليجد الله توابا رحيما.

ودت لو استحالت طائر صغير يحط على الجدار ويقيم إلى يوم يبعثون، يستظل بالبركات ويتنسم عبير الرحمات ويأنس بصحبة من صحبته خير وفلاح وقربه بشر ونجاح.

***

عليك صلاة ربى وسلامه يا رسول الإنسانية وإمام الحق وختام الأنبياء والمرسلين.

مقالات اخرى للكاتب

رؤية خاصة| نورا على طريق الغارمات





اعلان